فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
والحق يسأل الرسل بعد أن يجمعهم عن مدى تصديق أقوامهم لهم، والسؤال إنما يأتي للإِقرار، ومسألة السؤال وردت في القرآن بأساليب ظاهر أمرها أنها متعارضة، والحقيقة أن جهاتها منفكة، وهذا ما جعل خصوم القرآن يدعون أن القرآن فيه تضارب. فالحق سبحانه يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]
ويقول سبحانه أيضًا {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج: 10]
ويقول جل وعلا: {... وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78]
ويقول سبحانه وتعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39]
ثم يقول هنا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين} [الأعراف: 6]
وهذا ما يجعل بعض المستشرقين يندفعون إلى محاولة إظهار أن بالقرآن- والعياذ بالله- متناقضات. ونقول لكل منهم: أنت تأخذ القرآن بغير ملكة البيان في اللغة، ولو أنك نظرت إلى أن القرآن قد استقبله قوم لسانهم عربي، وهم باقون على كفرهم فلا يمكن أن يقال إنهم كانوا يجاملون، ولو أنهم وجدوا هذا التناقض، أما كانوا يستطيعون أن يردوا دعوى محمد فيقولوا: أيكون القرآن معجزا وهو متعارض؟! لكن الكفار لم يقولوها، مما يدل على أن ملكاتهم استقبلت القرآن بما يريده قائل القرآن. وفي أعرافنا نورد السؤال مرتين؛ فمرة يسأل التلميذ أستاذه ليعلم، ومرة يسأل الأستاذ تلميذه ليقرر.
إذن فالسؤال يأتي لشيئين اثنين: إما أن تسأل لتتعلم، وهذا هو الاستفهام، وإما أن تسأل لتقرر حتى تصبح الحجة ألزم للمسئول، فإذا كان الله سيسأله، أي يسأله سؤال إقرار ليكون أبلغ في الاحتجاج عليه، وبعد ذلك يقولون: {وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير * فاعترفوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السعير} [الملك: 10-11]
وهذا اعتراف وإقرار منهم وهما سيدا الأدلة؛ لأن كلام المقابل إنما يكون شهادة، ولكن كلام المقر هو إقرار اعتراف.
إذن إذا ورد إثبات السؤال فإنه سؤال التقرير من الله لتكون شهادة منهم على أنفسهم، وهذا دليل أبلغ للحجة وقطع للسبل على الإِنكار. فإما أن يقر الإِنسان، وإن لم يقر فستقول أبعاضه؛ لأن الإِرادة انفكت عنها، ولم يعد للإِنسان قهر عليها، مصداقًا لقوله الحق: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ...} [فصلت: 21]
والحق هنا يقول: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين}.
وهو سؤال للإِقرار. قال الله عنه: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ...} [المائدة: 109]
وحين يسأل الحق المرسلين، وهم قد أدوا رسالتهم فيكون ذلك تقريعًا للمرسَل إليهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
{فلنسألن الذين أرسل إليهم} سوال تعنيف وتعذيب.
{ولنسألن المرسلين} سؤال تشريف وتقريب.
{فلنسألن الذين أرسل إليهم} عن القبول فيتقنَّعون بذل الخجل.
{ولنسألن المرسلين} عن البلاغ فيتكلمون ببيان الهيبة، فالكلُّ بِسِمةِ العبودية والتوقير، والحقُّ بنعت الكبرياء والتقدير. اهـ.

.من فوائد الشنقيطي في الآية:

1- قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أن الله يسأل جميع الناس يوم القيامة ونظيرها قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ}، وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك كقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}، وكقوله: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: وهو أوجهها لدلالة القرآن عليه وهو أن السؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وأداته غالبا لم، وسؤال استخبار واستعلام وأداته غالبا هل فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال: الاستخبار والاستعلام، وجه دلالة القرآن على هذا أن سؤاله لهم المنصوص في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}، وكقوله: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ}، وكقوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}، وكقوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}، إلى غير ذلك من الآيات، وسؤال الله للرسل ماذا أجبتم لتوبيخ الذين كذبوهم كسؤال الموؤودة بأي ذنب قتلت لتوبيخ قاتلها.
الوجه الثاني: أن في القيامة مواقف متعددة ففي بعضها يسألون وفي بعضها لا يسألون.
الوجه الثالث: هو ما ذكره الحليمي من أن إثبات السؤال محمول على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، وعدم السؤال محمول على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه، ويدل لهذا قوله تعالى فيقول: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} والعلم عند الله تعالى. اهـ.
2- {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
لم يبين هنا الشيء المسؤول عنه المرسلون، ولا الشيء المسؤول عنه الذين أرسل إليهم.
وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم.
قال في الأول: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109].
وقال في الثاني: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} [القصص: 65].
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعلمون، وهو قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93].
وهنا إشكال معروف: وهو أنه تعالى قال هنا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين} [الأعراف: 6]، وقال أيضًا: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93]، وقال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} [الصافات: 24]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، مع أنه قال: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78]، وقال: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39].
وقد بينا وجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وسنزيده إيضاحًا هنا إن شاء الله تعالى.
اعلم أولًا: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة. أخص من السؤال المثبت فيها. لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالًا عن ذنوب خاصة. فإنه قال: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78] فخصه بكونه عن الذنوب، وقال: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39] فخصه بذلك أيضًا. فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل والموؤودة مثلًا ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه. لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب، ويزيد ذلك إيضاحًا قوله تعالى: {لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] الآية، وقوله بعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116] الآية. {قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] الآية، والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات: المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام. لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع. لأنه نوع من أنواع العذاب، ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 24-25]. وقوله: {أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [الطور: 15]. إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكور- والعلم عند الله تعالى-. اهـ.

.تفسير الآية رقم (7):

قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السؤال يفهم خفاء المسؤول عنه على السائل، سبب عن ذلك ما يزيل هذا الوهم بقوله مؤذنًا بأنه أعلم من المسؤولين عما سألهم عن: {فلنقصن} أي بما لنا من صفات العظمة المستلزمة لكل كمال {عليهم} أي المسؤولين من الرسل وأممهم، جميع أحوالهم وما يستحقون من جزائها {بعلم} أي مقطوع به لا مظنون، فقد كنا معهم في جميع تقلباتهم {وما كنا} أي في وقت من الأوقات كما هو مقتضى ما لنا من العظمة {غائبين} أي مطلقًا ولا عن أحد من الخلق بل علمنا شامل لجميع الكليات والجزئيات لأن ذلك مقتضى العظمة ما لنا من صفات الكمال، ومن لم يكن محيط العلم بأن يميز المطيع من العاصي لا يصح أن يكون إلهًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} يدل على أنه تعالى عالم بالعلم، وأن قول من يقول: إنه لا علم لله قول باطل.
فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين} وبين قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39] وقوله: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78].
قلنا فيه وجوه: أحدها: أن القوم لا يسألون عن الأعمال، لأن الكتب مشتملة عليها ولكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال، وعن الصوارف التي صرفتهم عنها.
وثانيها: أن السؤال قد يكون لأجل الاسترشاد والاستفادة، وقد يكون لأجل التوبيخ والإهانة، كقول القائل ألم أعطك وقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى آدمَ} [ياس: 60] قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا

إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى لا يسأل أحدًا لأجل الاستفادة والاسترشاد، ويسألهم لأجل توبيخ الكفار وإهانتهم، ونظيره قوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات: 27] ثم قال: {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101] فإن الآية الأولى تدل على أن المسألة الحاصلة بينهم إنما كانت على سبيل أن بعضهم يلوم بعضًا، والدليل عليه قول: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يتلاومون} [القلم: 30] وقوله: {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} معناه أنه لا يسأل بعضهم بعضًا على سبيل الشفقة واللطف، لأن النسب يوجب الميل والرحمة والإكرام.
والوجه الثالث: في الجواب: أن يوم القيامة يوم طويل ومواقفها كثيرة، فأخبر عن بعض الأوقات بحصول السؤال، وعن بعضها بعدم السؤال.
فائدة:
الآية تدل على أنه تعالى يحاسب كل عباده، لأنهم لا يخرجون عن أن يكونوا رُسُلًا أو مُرْسَلًا إليهم، ويبطل قول من يزعم أنه لا حساب على الأنبياء والكفار.
فائدة:
الآية تدل على كونه تعالى متعاليًا عن المكان والجهة، لأنه تعالى قال: {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} ولو كان تعالى على العرش لكان غائبًا عنا.
فإن قالوا: نحمله على أنه تعالى ما كان غائبًا عنهم بالعلم والإحاطة.
قلنا: هذا تأويل والأصل في الكلام حمله على الحقيقة.
فإن قالوا: فأنتم لما قلتم أنه تعالى غير مختص بشيء من الأحياز والجهات، فقد قلتم أيضًا بكونه غائبًا.
قلنا: هذا باطل لأن الغائب هو الذي يعقل أن يحضر بعد غيبة، وذلك مشروط بكونه مختصًا بمكان وجهة، فأما الذي لا يكون مختصًا بمكان وجهة وكان ذلك محالًا في حقه، امتنع وصفه بالغيبة والحضور، فظهر الفرق والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.